د.مدحت نافع يكتب: جذب الاستثمارات مفتاح التنمية
أوضحت مستهدفات الموازنة العامة للعام الحاجة الملحة لمضاعفة معدّل الادخار المحلّى إلى ما يزيد قليلًا على 11%، كما أوضحت ضرورة زيادة الاستثمارالخاص بنحو 50% على الأقل، وهى أهداف ليست سهلة التحقيق فى عام واحد، ولكنها تظل واقعية فى ضوء الفروض التى تبنتها وزارة المالية فى مشروع الموازنة، غير أن أساسيات الاقتصاد الوطنى التى أثبتت صلابة وقدرة على التعافى فى سنتى الجائحة، يحتاج استغلالها إلى أكثر من ذلك من أجل تحقيق النقلة النوعية التى عادة ما يعبّر عنها السيد رئيس الجمهورية بلفظ القفزة أو الطفرة.
فالمؤكد أن نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى مصر والذى يدور حول 3600 دولارسنويًّا تقريبًا، لا يضعها ضمن الدول التى يمكنها الاعتماد على الادخار المحلى وحده لسد فجوة تمويل الاستثمارات المطلوبة لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة. ولا يمكن استمرار الركون إلى التمويل بالدين الداخلى والخارجى، على الرغم من نجاح وزارة المالية بشكل ملحوظ فى البدء بإعادة هيكلة الدين العام، ووضع القيود على آجال الدين القصيرة فى موازنة العام الحالى والأعوام القادمة.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن كافة الأمراض المزمنة فى جسد الاقتصاد المصرى والتى فى مقدمتها ارتفاع مستويات الفقر، وتراجع التشغيل، وانخفاض الإنتاجية- يمكن علاجها بالاستثمار؛ فالاستثمارالمباشر يخلق فرص العمل، ويرفع من مستويات الدخول، ويجد طريقه إلى مجالات التعليم والتأهيل والرعاية الصحية، للخدمة على سوق كبيرة يزيد فيها المستهلكون لتلك الخدمات على مائة مليون مستهلك.
كما أن هذا الاستثمار متى تم توجيهه بالمحفزات إلى مجالات العجز، فإنه يوفّرإنتاجًا محليًّا يستبدل الواردات، ويقلل الضغط على العملة الوطنية، ويوفّرعملة صعبة من خلال التوجّه نحو التصدير.
إذن لا بد من جذب الاستثمارالأجنبى بنوعيه المباشر وغيرالمباشر، والحد من التوسّع فى تلقى الاستثمارات فى أدوات الدين من سندات وأذون حكومية، خاصة بعد ارتفاع خدمة الدين العام إلى نحو 31% من المصروفات فى موازنة العام الحالى، علمًا بأن جذب الاستثمارالأجنبى لم يعد سهلًا كسابق عهده، نظرًا لأن المنافسة صارت عنيفة بين مختلف الدول على إغرائه.
منذ نحو ثلاثة عقود كان يكفى أن تعلن الدولة عن بعض الحوافز البسيطة لجذب أهم الاستثمارات، خاصة أن العديد من الدول النامية كانت حديثة عهد بالاستعمار أو رهينة الفكر الاشتراكى المتشكك فى نوايا كل ما هو مستورد من الخارج. أما اليوم فتتبارى الدول فى تقديم حوافز استثنائية، أصبح من اليسير الترويج لها بعد تقدّم وسائل المعرفة وسرعة دورات المعلومات، وأصبحت تقارير دولية مثل تقاريرالتنافسية وممارسة الأعمال بمثابة دليل للمستثمرالباحث عن أفضل وجهة لاستقبال أمواله.
ترتيب مصر فى هذا النوع من التقارير تحسّن إلى حد ما (المركز 114 من بين 190 دولة فى أحدث تقرير لممارسة الأعمال متقدّمًا 6 مراكز فى عام) ولكنه ما زال متأخرًا خاصة فى مجالات سهولة إقامة الأعمال والنظام الضريبى وتسجيل المنشآت وإلزام العقود وحل المنازعات… ناهيك عن توفيرالمهارات المناسبة لإقامة الأنشطة المتطورة من بين معروض كبير فى سوق العمل.
وإذا كان السيد الرئيس قد وضع يده على أبرز مواطن الداء فى معرض مداخلاته بمنتدى شباب العالم 2022 خاصة حينما تحدّث عن نقص المهارات، وعن الحاجة الملحّة إلى التركيز على قطاعات التصنيع كثيفة التكنولوجيا والزراعة وتكنولوجيا المعلومات، فإنه تخيّر قطاعات عالية المرونة وسريعة النمو ومهيأة لجذب الاستثمارالخاص وخلق فرص عمل، بعد أن مهدت الدولة البنية الأساسية المناسبة لذلك. وهى مع سائر قطاعات الصناعات التحويلية غير البترولية يمكن أن تكون قاطرة للتنمية، بعد أن يتم توطينها وزيادة المكوّن المحلى بها إلى مستويات كبيرة.
تبقى الإشارة الهامة إلى سوق المال التى ما زلت أراها الحلقة الأضعف فى سلسلة الإصلاحات الاقتصادية التى شهدتها البلاد منذ سنوات، والتى يمكن بتنشيطها وإصلاح الإدارة بها وتخفيض حجم التدخل التنظيمى والتشابك الرقابى والتشريعى فى عملها، وتوفير منتجات مالية جاذبة عبر منصتيها الأولية والثانوية أن تكون معْبرًا هامًّا للاستثمار المحلى والأجنبى، وآلية مستقرة للطروحات وزيادة رؤوس الأموال والتخارج اليسير. ومن اللافت أن أهم وأكبر الاستثمارات المباشرة يمكن اجتذابها عبر استثمارات الحافظة (غيرالمباشرة)، خاصة أن المستثمر الأجنبى بات يفضّل الدخول فى استثمارات محلية قائمة، من خلال شراء حصص حاكمة فى أسهمها عوضًا عن التشييد من الصفر.