د كريم ابوعيش يكتب / الشركة القابضة للغزل والنسيج… ما بين الماضي والحاضر”تحول جذري ونهضة مؤسسية تعيد صناعة الغزل والنسيج المصرية إلى الصدارة الاقتصادية”

بقلم: د. كريم ابوعيش
من يتابع ملف صناعة الغزل والنسيج في مصر يدرك أن ما يحدث اليوم داخل الشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس لم يعد مجرد محاولات إصلاح مؤقتة كما كان يحدث لعقود، بل يمثل تحولًا جذريًا في واحدة من أقدم الصناعات المصرية وأكثرها ارتباطًا بالهوية الاقتصادية للبلاد.
وتحت قيادة المهندس أحمد شاكر، الذي تولى منصبه في نوفمبر 2023، ومع استمرار الإدارة الحالية لأكثر من عام ونصف، بدأت ملامح نهضة حقيقية تتشكل داخل المصانع، وفي أسلوب الإدارة، وجودة الإنتاج، وأداء العمالة، وحتى مؤشرات الأرباح. فقد انتقلت الشركة من مرحلة إدارة الأزمات إلى منطق بناء صناعة قادرة على المنافسة، مستهدفة إيرادات تتجاوز 19 مليار جنيه في العام المالي 2025–2026، بزيادة تقارب 450% مقارنة بالعام المالي السابق، إلى جانب عوائد تصديرية تصل إلى 120 مليون دولار.
ورغم التاريخ العريق لهذه الصناعة، كانت سنوات طويلة من تقادم المعدات وغياب الاستثمار قد أدت إلى تراكم ديون تاريخية بلغت نحو 20.7 مليار جنيه، ما استدعى تدخلًا استراتيجيًا لإعادة بناء القطاع من جذوره، واستعادة مكانة مصر في صناعة الغزل والنسيج إقليميًا ودوليًا.
وتبنّت الإدارة الحالية فلسفة مختلفة قائمة على الشفافية والمحاسبة، وبدأت خطة تحديث واسعة شملت مجمّع غزل المحلة بمراحله المختلفة، ومصانع كفر الدوار، ودمياط، وشبين الكوم، إلى جانب تطوير مصانع الصوف وهندسة شبرا. وبلغ عدد المنشآت التابعة للشركة 65 منشأة، تم دمج 32 شركة منها في 9 كيانات صناعية كبرى، باستثمارات تجاوزت 21 مليار جنيه، لم تقتصر على تحديث الماكينات فقط، بل شملت إعادة هيكلة كاملة لمنظومة الإنتاج.
التحسن انعكس بوضوح على الأداء المالي، حيث سجلت المبيعات نحو 4.1 مليار جنيه في العام المالي 2023–2024 بنمو بلغ 51%، بينما ارتفعت أرباح الشركة القابضة بنسبة 227% لتصل إلى 503 ملايين جنيه. أما صافي الربح المستهدف للعام المالي 2025–2026، والبالغ 9 ملايين جنيه، فيعكس مرحلة انتقالية طبيعية في ظل استمرار الاستثمارات وارتفاع تكاليف التشغيل.
ولأن التنمية الصناعية لا تنفصل عن تنمية العنصر البشري، أطلقت الشركة برنامجًا تدريبيًا موسعًا شمل أكثر من 14 ألف عامل، مع التركيز على رفع مهارات الفنيين والمشرفين والتعامل مع أنظمة التشغيل الحديثة، بما يعزز الاستدامة الإنتاجية.
وخلال عام 2025، اتسعت دائرة التطوير لتشمل جذب استثمارات صناعية أجنبية، خاصة من شركات صينية وتركية، تجاوزت قيمتها 100 مليون دولار، موجهة لإنشاء مجمعات إنتاجية حديثة تستهدف التصدير للأسواق الأفريقية والأوروبية. كما تم استكمال أجزاء رئيسية من المرحلة الثانية لتطوير مجمع غزل المحلة، والانتقال بعدد من المصانع إلى التشغيل الاقتصادي الفعلي.
وعلى مستوى القطاع، تجاوزت صادرات الغزل والنسيج والملابس الجاهزة المصرية حاجز المليار دولار خلال عام 2025، ما دعم خطط الشركة القابضة التصديرية وربط بين تطوير المصانع وانتعاش الطلب الخارجي. كما تدرس الدولة طرح حصص أقلية من بعض الشركات التابعة في البورصة لتوفير تمويل إضافي وتعزيز الحوكمة.
وتستهدف الاستراتيجية الحالية رفع كفاءة التشغيل وتوحيد نظم المشتريات والرقابة، مع خطط للوصول إلى طاقات إنتاجية تبلغ 188 ألف طن من الغزل، و198 مليون متر من النسيج، و115 ألف طن من الوبريات، ونحو 40 مليون قطعة ملابس سنويًا.
أما ما بعد 2026، فتسعى الشركة إلى فتح أسواق تصديرية جديدة، وتعظيم الاستفادة من القطن المصري طويل التيلة، والتحول التدريجي نحو الأقمشة المستدامة والذكية، عبر شراكات صناعية تعزز القيمة المضافة.
هذه النهضة لا تعيد فقط إصلاح ما أفسده الزمن، بل تؤسس لصناعة تنافسية قادرة على الاندماج في الاقتصاد العالمي، وتعيد لصناعة الغزل والنسيج مكانتها كأحد أعمدة الهوية الصناعية الوطنية.
ومع انتقال الدولة من منطق الإنقاذ إلى منطق الاستثمار، تصبح هذه التجربة نموذجًا لإدارة الأصول الصناعية العامة بعقلية اقتصادية حديثة.
رحلة الإصلاح بدأت بالفعل، والاختبار الحقيقي سيكون في استدامة النتائج وتحويل الزخم الحالي إلى نمو طويل الأجل.









